الاثنين، 22 ديسمبر 2014


الاعتصام بالكتاب وألسنه

الاعتصام افتعال من العصمة والمراد امتثال قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا الآية قال الكرماني هذه الترجمة منتزعة من قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا لان المراد بالحبل الكتاب والسنة على سبيل الاستعارة والجامع كونهما سببا للمقصود وهو الثواب والنجاة من العذاب كما أن الحبل سبب لحصول المقصود به من السقي وغيره والمراد بالكتاب القران المتعبد بتلاوته وبالسنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله و أفعاله وتقريره وما هم بفعله والسنة في أصل اللغة الطريقة وفي اصطلاح الأصوليين والمحدثين ما تقدم وفي اصطلاح بعض الفقهاء ما يرادف المستحب قال بن بطال لا عصمة لأحد إلا في كتاب الله أو في سنة رسوله أو في إجماع العلماء على معنى في احدهما.

                               .................................................

(فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به)

أي جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم وقال ابن جريج آمنوا بالله واعتصموا بالقران رواه بن جرير (فسيدخلهم في رحمة منه وفضل) أي يرحمهم فيدخلهم الجنة ويزيدهم ثوابا ومضاعفة ورفعا في درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم

(ويهديهم إليه صراطا مستقيما)

أي طريقا واضحا قصدا قواما لا اعوجاج فيه ولا انحراف وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والاخرة فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات وفي الاخرة على صراط الله المستقيم المفضي الى روضات الجنات.

                        ........................................................

وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة

لقد أمر الله الأمة بالاجتماع واتحاد الكلمة وجمع الصف على أن يكون أساس هذا الاجتماع هو الاعتصام بالكتاب والسنة, ونهى عن التفريق وبين خطورته على الأمة في الدارين .

فالطريق الصحيح إلى النجاة هو التمسك بكتاب بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهما حصن حصين وحرز متين لمن وفقه الله تعالى قال تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفى حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)

                       ................................................

فقد أمر الله تعالى بالاعتصام بحبل الله , وحبل الله هو عهد الله أو القران كما قال المفسرون, إذ العهد الذي أخذه الله على المسلمين هو الاعتصام بالقران والسنة.

فقد أمر الله تعالى بالجماعة ونهى عن التفرق والاختلاف .قال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )"الحشر:7"

وهذا شامل لأصول الدين وفروعه الظاهرة و الباطنة.

                      .......................................................

وان ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به و إتباعه ولا تحل مخالفته , وان نص الرسول صلى الله عليه وسلم على حكم الشئ كنص الله تعالى لا رخصة لأحد ولا عذر لأحد له في تركه , ولا يجوز تقديم قول احد على قوله.

قال تعالى : ( يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وانتم تسمعون) " الأنفال:20" . فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به المعاندين له . ولهذا قال: ( ولا تولوا عنه) أي تتركوا طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره

                       .........................................................

وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) "النساء :59"

قال الحافظ ابن كثير : ( أطيعوا الله ,أي اتبعوا كتابه , وأطيعوا الرسول أي خذوا سنته , و أولي الأمر منكم فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله , فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله)

وقوله ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) "النساء :59" قال مجاهد : أي إلى كتاب الله وسنة رسوله.

                        .................................................

وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك الى الكتاب والسنة.

كما قال تعالى : ( وما  اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله )" الشورى :10" .فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له فهو الحق ,فماذا بعد الحق إلا الضلال . ولهذا قال تعالى ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ) "النساء:59" أي ردوا الفصل في الخصومات و الجهالات إلى الكتاب والسنة .

ومن لا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر . وقوله( ذلك خير) أي التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله , والرجوع إليهما في فصل النزاع خير (وأحسن تأويلا) أي و أحسن عاقبة ومآلا كما قال السدي وقال مجاهد : (وأحسن جزاء وهو قريب)

وفي كتاب الله آيات كثيرة وردت في وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة والرجوع أليهما في كل الأمور.

                           ...........................................

أما الأدلة من السنة على وجوب التمسك بالكتاب والسنة فمنها:

ما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : > إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا , يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله أمركم , ويسخط لكم ثلاثا , قيل وقال , وكثرة السؤال وإضاعة المال<.

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :>إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي<

وقال صلى الله عليه وسلم : > تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعد إلا هالك<

وجاء في حديث العرباض بن سارية قوله صلى الله عليه وسلم : > عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ<

                             .....................................................

وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بسنته من أمته بأعظم بشارة واشرف مقصد يطلبه كل مؤمن ويسعى إلى تحقيقه من كان في قلبه أدنى مسكه من إيمان ألا وهو الفوز بدخول الجنة . جاءت هذه البشرى في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  > كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ,قالوا ومن أبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى <

وأي إباء ورفض للسنة أعظم من مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم ؟

وذلك بالإحداث والابتداع في الدين.

ومعلوم أن الفرقة الناجية هي التي كانت على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , وهي الجماعة . وقال ابي بن كعب رضي الله عنه : > عليكم بالسبيل والسنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار ابدآ وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنه<

                         ..........................................................

وهذه الأحاديث الثابتة تفيد وجوب إتباع القرآن الكريم والسنة النبوية في كل شؤون الحياة , بل إن وجوب الأخذ بهما واستنباط الأحكام منهما وهو ما تقتضيه الفطرة السليمة والعقل القويم والمنطق السديد وتقيده أسباب ومبررات اجتماعية وفطرية منها:

أن الشريعة الإسلامية هي منهج الله ونظامه الذي وضعه للإنسانية و ابتعث به رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم فهو منهج الله الصانع الخالق الذي يمتاز بكماله وخلوه من الجهل والوهن والضعف وبعده عن الميول والهوى .

فهو ليس كمنهج البشر الذي لا يخلو من ضعف ونقص او محاباة.

                    ........................................................

فمنهج الله لا محاباة فيه لفرد ولا لطبقة ولا لشعب ولا لجنس لأن الله جلا وعلا متجرد متنزه بجلاله عن هذه الأخلاق والآفات الذميمة التي يتصف بها البشر.

والخالق للبشر هو الذي يعلم ما جبلت عليه فطرة الإنسان الحقيقية وما تحتاج إليه في حياتها من وسائل وما تسعى الى تحقيقه من أهداف وما يصلح به شؤونها.

لذا فهو القادر سبحانه وتعالى على أن يضع لهم النظام الأمثل بدون عناء ومشقة وبدون خوض لتجارب ترهق المجتمع وتكلفه الثمن الباهظ.

فالفكر البشري في مختلف العصور لا يخلو من تعارض وتناقض ما لم يكن متمسكا بمنهاج الحق الذي جاء من عند الله, وما ذلك إلا لأن الأهواء والرغبات والشهوات البشرية تتحكم فيه في كثير من الحالات.

                         ...............................................

وخلاصة القول أن طريق الخلاص وعنوان السعادة التمسك بكتاب الله تعالى , ذلك الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وكذلك التمسك بالسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فإنهما أي الكتاب والسنة هما المصدران الوحيدان لعقيدة الإسلام وشريعته.

فأي منهج جانب هذا الطريق فإنه منهج خاسر فالتمسك بالسنة هو سبيل المؤمنين وطريق الوصول الى مرضاة رب العالمين والحصن الحصين وهذا هو المنهج الذي يحفظ الله به الأمة من بدع المبتدعين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف ألغالين.

وهو الطريق الذي صلحت به أحوال الأمة في صدر الإسلام ولا فلاح لنا ولا نجاح إلا بالرجوع إليه يقول أمام دار الهجرة الأمام مالك بن انس رحمه الله : (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) , وما صلح به أولها هو العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

           ومما ينبغي على المسلم في هذا الجانب أن يكون العمل بالكتاب والسنة مقيدا بفهم السلف الصالح ومنهجهم لقول الله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ونصله جهنم وساءت مصيرا) "النساء: 115"

          فإتباع سبيل المؤمنين وهو الصحابة وأتباعهم من الأئمة المهديين بإحسان هو سبيل النجاة نسأله تعالى أن يوفق الأمة الإسلامية للتمسك بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم وإتباع سبيل المؤمنين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق